بعد ما بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء بنى بيتاً واحداً لسودة أم المؤمنين، ثم لم يحتج إلى بيت آخر حتى تزوج عائشة في شوال سنة اثنتين للهجرة، ثم بنى بقية بيوته في أوقات مختلفة، وكان عدد بيوته تسعة بيوت، بعضها من جريد –الجَرِيدُ: سعف النخل- مطين بالطين، وسقفها جريد، وبعضها من حجارة مرضومة -بعضها على بعض- مسقفة بالجريد أيضًا.
وكانت الأسقف في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفعة، وقد كان باب النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بالأظافير، أي لا حلق له.
أما عفش النبي صلى الله عليه وسلم داخل بيته فقد كان لا يُوجد بداخل بيته إلا القليل من الفراش والمتاع، فكان يصلي على الحصير في النهار، وإذا أتى الليل أخذه ونام عليه؛ لأنه لم يكن له غيره.
بعض متاع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته:
أما فراشه فقد كانت له وسادة يتكئ عليها من الجلد المدبوغ حشوها ليف، والليف هو قشر النخل، وكان ينام على الحصير حتى أنه كان يؤثر على جنبه، وكان له لحاف، وسرير (كرسي)، وكانت عنده قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، حج وهي معه، ووُضع بينه وبين لحده لما مات صلى الله عليه وسلم قطيفة بيضاء، وكان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة، وكان له قدح –وهو الإناء-.
أما عيشه في بيته فإنه صلى الله عليه وسلم لم يَشْبَع من خُبْزٍ ولحْمٍ إلا في النادر، وما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قُبض، وقد يتلوى بأبي هو وأمي من شدة الجوع لا يجد حتى القليل من الدقل –رديء التمر- يملأ به بطنه، وقد يمر الشهر والشهران والثلاثة ولم يوقد في بيت النبي صلى الله عليه وسلم النار؛ لأنه لا يوجد ما يُطبخ، وكان طعامه الأسودان (التمر والماء)، وكان يحب الدُّبَّاء –القرع-، ويأمر بأكل الزيت والدهن منه؛ لأنه من شجرة مباركة، وكان يحب الحلواء والعسل، وقد أكل الدجاج، واللحم المشوي، وكان يعجبه الذراع من اللحم، وكان عليه الصلاة والسلام يأكل القثاء بالرطب –القثاء: الخيار-، ويأكل البطيخ بالرطب.
هذا هو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد خُلطت البيوت والحُجَر بالمسجد لما توفي أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، وبكى الناس - عند هدمها- كيوم وفاته صلى الله عليه وسلم، وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان.